البُعدُ الإِنسَانِيُّ لِلقَضِيَةِ الفِلَسطِينِيَّةِ

شارك الموضوع :

البُعدُ الإِنسَانِيُّ لِلقَضِيَةِ الفِلَسطِينِيَّةِ


إنَّ القضِيَّة الفلسطينية ذات أبعادٍ إنسانيةٍ كُبرى؛ إذ تُمثل صرخة المظلوم في وجه أدعياء حقوق الإنسان، وتكشف المعايير المزدوجة للنظام الدولي وسَوءاته، كما أنَّ وجود الكيان الصهيوني في فلسطين قَلَبَ العالم الإسلامي، وحَشْده لأسلحة الدمار الشامل، والدعم الأمريكي والغربي غير المحدود له، سيظل الفتيل المشتعل الذي يهدد السلام العالمي بالانفجار؛ فالعرب لم ولن يتنازلوا عن أرضهم، فمهمة تحرير فلسطين هي مهمة إنسانية وحضارية يجب أن يشارك فيها شعوب الأرض وأقطارها.

مُعَانَاةُ اللَّاجِئِين الفِلَسطِينِيِين

بدأت "الجمعية العامة للأمم المتحدة" في إصدار قراراتها الخاصة بمشكلة اللاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948، فقد كان القرار رقم 194 في ديسمبر من نفس العام يدعو إلى "وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم، وعن كل مفقود أو مصاب بضرر". ويُلاحظ أنَّ "الجمعية العامة للأمم المتحدة" خلال الفترة الممتدة من عام1948 إلى 1969 كان تناولها لمسألة اللاجئين ينحصر في كيفية معالجة هذه المسألة من الناحية الإنسانية وتأكيد حق العودة أو التعويض. ومن ثم تأسيس "وكالة إغاثة اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة"، كما أكد القرار رقم 393 لعام 1950 الذي دعا إلى دمج اللاجئين في المجتمعات التي يعيشون فيها، ويعتبر هذا القرار من القرارات الخطيرة على القضية الفلسطينية والذي لو نُفذ لأدى إلى المساعدة في حل مشكلة اللاجئين، ولكن على حساب حقوق الشعب الفلسطيني؛ إذ إن الغرض من هذه القرارات هو أن تقوم كل دولة عربية تُؤوِي عددًا من اللاجئين الفلسطينيين -مثل: الأردن وسوريا ولبنان وغيرها- إلى استيعاب هؤلاء اللاجئين ودمجهم في مجتمعاتهم، وهو الأمر الذي كانت ترفضه بعض الدول رفضًا تامًا، وبعض الدول الأخرى كانت لا تمانع في القيام بمثل هذه السياسة[1].

وظلت الجمعية العامة للأمم المتحدة تكرر قراراتها الخاصة بعودة اللاجئين وتعويضهم عما فقدوه من ممتلكات دون أن يتم شيء من ذلك، وتتأكد الحقيقة يومًا بعد يوم بأنه ليس في وسع الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تقوم بأي عمل إيجابي يتعلق بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وأنَّ كل ما في مقدرة الجمعية العامة هو إصدار قرارات تطالب إسرائيل بتنفيذ القرار الدولي الصادر منذ عام 1948. وبرغم ذلك تكمن أهمية قرارات الجمعية العامة من الناحية السياسية بأنها تدفع الدول العربية للمطالبة بإصدار مثل هذه القرارات والحصول على تأييد الدول عليها، على سبيل المثال لا الحصر: القرار رقم 2443- الدورة 23 في 1969 وهو القرار الخاص بإنشاء لجنة خاصة للتحقيق في الممارسات "الإسرائيلية" التي تمس حقوق الإنسان لسكان المنطقة المحتلة، كما طالب القرار "إسرائيل" أن تكف فورًا عن تدمير منازل السكان والعرب الفلسطينيين ودفعهم إلى ترك أراضيهم عن طريق إرهابهم أو سجنهم، وإنشاء هذه اللجنة المعنية بالتحقيق في الممارسات "الإسرائيلية" التي تمَس حقوق الفلسطينيين قد عارضته أمريكا و"إسرائيل" وكثير من الدول الغربية، بحُجة أن هذه اللجنة ستقوم بتقصي أعمال "إسرائيل" ضد سكان العرب الفلسطينيين ولا تتقصى أعمال الحكومات العربية ضد اليهود الذين يعيشون في بلادهم.

وتعد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين أكبر مأساة إنسانية من منتصف القرن السابق وحتى الآن. كما ذكرنا سابقًا، فقد تعاملت الأمم المتحدة مع قضية فلسطين على أنها قضية لاجئين منذ عام 1948 وحتى بداية السبعينيات من القرن العشرين، ومنذ عام 1974 أخذت تُصدِر قراراتٍ بأغلبية ساحقة عن الجمعية العامة بإعطاء الفلسطينيين حق تقرير المصير، وبشرعية الكفاح الفلسطيني لاسترداد الحقوق المغتصبة، وباعتبار "الصهيونية" شكلًا من أشكال التفرقة العنصرية، وبحق اللاجئين في العودة إلى أرضهم، لكنَّ الولايات المتحدة وحلفاءها كانوا على استعدادٍ دائم لدعم "الكيان الصهيوني" في رفض هذه القرارات وتجاهلها وإجهاضها واستخدام حق النقض "الفيتو" لمنع التنفيذ العملي لأي منها، وطوال تاريخ القضية الفلسطينية ظلت إحدى الإشكاليات الكبرى تتمثل في انحياز القوى العظمى للمشروع الصهيوني، وخصوصًا في التسليم بما يسمى "حقه" في إنشاء دولته على أرض فلسطين.

كما أن تعبير "الحرب باسم الإنسانية"، الذي زعمته الولايات المتحدة في عصر (بوش الابن)، يمثل مثالًا واضحًا على الاستخدام السياسي المتعسف والمتلون لأنظمة اللغة والعلامات؛ حيث يُمثل استدعاء مفهوم "الإنسانية" في الحرب محاولةً زائفةً تقف وراءها مصالح وأهداف سياسية واقتصادية معينة، وكم من الحروب التي شُنت- ولا تزال تُشن- باسم الإنسانية ولكنها تستهدف الاستعمار وافتراس خيرات الشعوب. فقد سُلب من الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، من حقه في حياة مستقرة وآمنة، وحقه في الحرية، وحقه في أرضه وممتلكاته، وممارسة كافة أشكال القمع وأعمال العنف والمجازر التي يقوم بها الكيان الصهيوني وحملات الإبادة الجماعية ضده، كما حاول الكيان الصهيوني إخفاء الحقائق وتزييفها وإظهارها على نحو مغاير بستار من السلام والتسامح[2].

التَوظِيفُ الأَيدُيولُوجِي لِفِكرَةِ التَّسَامُحِ

ترتكز السياسة "الإسرائيلية" معظم فتراتها التاريخية على عنصر أو مُقوم "الأنسنة الأيديولوجية" "Ideological Humanization" وتُمثل هذه الآلية إستراتيجية فعالة وشديدة الخصوبة؛ لاستمالة الآخرين إليها، كما تتم ممارسة أيديولوجية الكيان الصهيوني على أرض الواقع ليس على أساس أن "الإسرائيليين" معصومون من الخطأ، وإنما على أساس أنهم بشر يخطئون ويصيبون، وانطلاقًا من هذا العنصر، يمكننا تحليل الأيديولوجيا المحركة لوسائل الإعلام "الإسرائيلية"، التي تبدو للعالم وكأنها تقدم صورة "إسرائيل" كدولة متسامحة، حيث يستهويها التطرق إلى عيوب الجنود "الإسرائيليين"، وحالتهم النفسية، ولا تُظهرهم بأنهم قتلة أو آلات صماء تُنفذ أوامر قادتهم، كما لا تُقدمهم في الوقت ذاته على أنهم أبطال خارقين، وإنما كأشخاص عاديين يحاربون من أجل أمتهم ودولتهم. من هنا تسعى أيديولوجيا وسائل الإعلام "الإسرائيلية" إلى تقنيع ممارسات الكيان الصهيوني وتهذيبها، وتستهدف تشويه طريقة إدراكنا لحقيقة ما يجري في الواقع، وذلك عن طريق الزيادة في جرعة الإحسان، ولذلك فإن الطريقة التي يتم بها تقديم صورة الجندي "الإسرائيلي" في وسائل الإعلام أمر بالغ الأهمية؛ لأنها تُقدمه على أنه يقوم بواجبه تجاه وطنه ويُنفذ أوامر قادته، ومن ثمَّ فإنها في حقيقتها تُجسد أيديولوجية القهر والهيمنة في أنقى صورها[3].

وبالنظر إلى هذه الصورة المتسامحة التي يتم من خلالها تقديم الجنود "الإسرائيليين" في وسائل الإعلام، والتي يحاول "الكيان الصهيوني" توصيلها للعالم، تتكشف الأهداف الحقيقية التي ترمي إليها، وذلك من جانبين: الجانب الأول، تأكيد الفجوة بين الواقع المُعقد الذي يعيش فيه الجندي "الإسرائيلي"، والدور الذي يتعين عليه القيام به حتى لو تعارض مع القوانين والمبادئ الأخلاقية، أو تنافى مع طبيعته وفطرته الإنسانية، والجانب الثاني، إضفاء علاقة "روحية" حميمية على الممارسات اللاإنسانية، وفي الجانبين السابقين نجد أن الخبرات القاسية التي مر بها اليهود من حالات الطوارئ الدائمة، والتهديد بالإبادة وغير ذلك، عادة ما يتم استحضارها لإخفاء الوجه البشع للسياسة "الإسرائيلية"، وإقصاء الطرف الفلسطيني وتجريده من أرضه، والظهور على مسرح الأحداث من وراء حجاب، كما أنه ليس من الصعب الكشف عن مدى زيف الصورة الإعلامية لتقديم إسرائيل على أنها دولة ليبرالية متسامحة، أو دولة تحارب الفاشيات الدينية، وذلك لأن "إسرائيل" قامت أساسًا عن طريق العنف المؤسس لأصولها غير الشرعية.

وختامًا، نذكر المَوقِفَ الإِسلَامِي مِنَ اليَهُودِ: إنَّ المسلمين لا يقاتلون اليهود لمجرد كونهم يهودًا، فالأصل في علاقة المسلمين بأهل الكتاب وأهل الذمة هو العدل والإحسان وإعطاء كافة الحريات والحقوق الدينية والمواطنة في ظل الإسلام، إن المسلمين يقاتلون اليهود الصهاينة المعتدين الذين اغتصبوا أرض فلسطين وشردوا شعبها وانتهكوا مقدساتها، وسيقاتل المسلمون أي فئة أو جماعة تحاول احتلال أرضهم، مهما كان دينهم أو قوميتهم.


[1] حمدي الشريف: الرمزية السياسية "مفهوم الرمز ووظيفته في الفكر السياسي"، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية، 2023.

[2] محسن صالح: حقائق وثوابت في القضية الفلسطينية (الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية)، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، 2020.

[3] سالم النبراوي: القضية الفلسطينية "دراسة سياسية وثائقية"، منشورات جامعة قاريونس، بنغازي، 1999.

اضافةتعليق


ذات صلة

الخميس 21 تشرين الثاني 2024
الأربعاء 30 تشرين الاول 2024
جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز براثا للدراسات والبحوث