الإعلام الأمريكي وتأثير البرامج الأمريكيّة على العالم الإسلامي
يعتبر الإعلام القوّة المؤثّرة التي تخدم مصالح الدول التي توظّفه كأداة توجيه واستقطاب؛ فالمؤسسات الإعلاميّة (السلطة الرابعة) لها دور كبير وفعّال وقويّ في التحكّم بسياسات الدول -بشكل غير مباشر- من خلال تعبئة أو تشتيت الرأي العام، سواء أكان ذلك إبّان الحروب أو قبلها كما فعلت وتفعل الولايات المتّحدة الأميركيّة في حروبها، فقد سعت الولايات المتّحدة الأمريكيّة قبيل حرب العراق إلى امتلاك مؤسّسات إعلاميّة ضخمة لخدمة مصالح السياسة الخارجيّة الأمريكيّة، وهدفها استمالة الرأي العام المحلّي والدولي لتمرير قرارات إمبرياليّة بصبغة دوليّة بغطاء مِن منظومة الأمم المتّحدة.
وتعمل الإمبراطوريّات الإعلاميّة كأداة تضليل تفرض واقعًا زائفًا يخفي شواهد وجوده، ويكون ناجحًا عندما يشعر المضلّلون بأنَّ الواقع الزائف الذي يعيشونه هو الوجهة الطبيعيّة والحتميّة، ولهذا الهدف حرصت أمريكا على استخدام أضخم المؤسّسات والشركات الإعلاميّة للتحكّم في أغلبيّة الأخبار حول العالم من خلال أقمارها الصناعيّة وقنواتها التلفزيونيّة والبرامج الحواريّة، حيث تعدّ صناعة الإعلام رافدًا اقتصاديًّا مهمًّا وأداة سياسيّة قويّة تعتمدها للسيطرة على مسار الأحداث عبر العالم بما يخدم مصالحها.
وتحرص أمريكا على استخدام الإعلام أداة للتأثير على العالم في التأثير على الثقافة المحليّة من خلال عرض الأفلام والمسلسلات والبرامج التلفزيونيّة للتأثير على الثقافة المحليّة وتغيير العادات والتقاليد وتعزيز الثقافة الأمريكيّة والتركيز على عرض الأفلام والبرامج التلفزيونيّة، التي تعبّر عن الحياة والقيم والتقاليد الأمريكيّة، ممّا يؤدّي إلى انتشار القيم والثقافة الأمريكيّة المستنسخة في العالم، وتشكيل الرأي العام الدولي في العديد من المسائل الثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة مِن خلال وسائل الإعلام الأمريكيّة؛ لأنّها تحظى بمشاهدة كبيرة حول العالم، بالإضافة إلى التأثير على تصوّر الأحداث العالميّة من قبل وسائل الإعلام الأمريكيّة، ممّا يؤثّر على تصوّر الناس حول تلك الأحداث وقراءتها.
كما يلعب الإعلام الأمريكي دورًا مهمًّا في دعم الهيمنة الأمريكيّة، وهي بمثابة أداة دعائيّة لتعزيز المصالح والقيم الأمريكيّة على الأصعدة كافّة، حيث تعمل من خلال السيطرة وتشكيل الرأي العام والتصوّرات العامّة على عرض وجهة نظر أمريكا باعتبارها وجهة النظر الشرعيّة الوحيدة، ممّا يساعد على الحفاظ على صورة أمريكا كقوّة عظمى عالميّة وتبرير تصرّفاتها في تدخّلها في المجال السياسي والعسكري الذي لا يكون في مصلحة الدول الأخرى، كما تسعى وسائل الإعلام الأمريكيّة إلى ترسيخ صورة سلبيّة عن الدول الأخرى.
ويرى بعض النقّاد أنَّ وسائل الإعلام الأمريكيّة غالبًا ما تركّز على الإثارة والربح، ممّا يؤدّي إلى انتشار المعلومات المضلّلة والترويج للصور النمطيّة السلبيّة، بالإضافة إلى التحيّز لصالح أمريكا، بهذا يمكن أن يشوّه الطريقة التي يتمّ بها تصوير الأحداث والقضايا للجمهور في العالم ونشر الأخبار والتقارير والمعلومات لتشكيل رؤية وتوجيه الانتباه العالمي. ويتركّز دور الإعلام الأمريكي في تأثيره على العالم الإسلامي من خلال غزو قيم الثقافة الأمريكيّة للمجتمع الإسلامي وإحداث اختلافات بين اتجاه مَن يتمسّك بالقيم والعادات والثقافة الإسلاميّة ويرفض الثقافة الوافدة، وبين اتجاه متأثّر بهذه الثقافة ويسعى إلى تقليدها في مظاهر الحداثة، وقد أدّت الاختلافات إلى حدوث التصدّع الثقافي في المجتمع الإسلامي.
ومِن أكثر الوسائل الإعلاميّة تأثيرًا هي البرامج التلفزيونيّة المستوردة من الخارج، التي تحاكي البرامج الأمريكيّة التي تسمّى تلفزيون الواقع، وهي بعيدة كلّ البعد عن الواقع، ولجأت إلى بثّ هذه البرامج عبر القنوات التلفزيونيّة في العالم العربي؛ لأنَّ التلفزيون عبر قنواته الفضائيّة أصبح يبني واقعًا جديدًا هجينًا ويحاول تسويقه وفرضه على أنّه الواقع الذي نعيشه؛ لأنَّ التحكّم في الصورة تنعكس على التحكّم بالعقل. وقد ازدادت العولمة في السنوات الأخيرة حيث ظهر العديد من القنوات التلفزيونيّة التي ركّزت على البرامج البعيدة عن منظومة القيم والثقافة والعادات الإسلاميّة؛ لأنّها تهدف إلى غرس ثقافة تقوم على تفكيك بنية القيم الأخلاقيّة والاجتماعيّة وتشويه العادات الإسلاميّة، حيث يركّز برنامج تلفزيون الواقع الذي تبنّته القنوات على وضع كاميرات أمام ناس عاديين ونقل حياتهم على أنّها الواقع الطبيعي، ويقوم هؤلاء الأشخاص بمناقشة مشكلاتهم وقضاياهم أمام الجمهور المتلقّي على المباشر بكلّ وضوح وبطريقة فيها الكثير مِن الذل والمهانة.
فتلفزيون الواقع برنامج صمّم على نطاق عالمي من قبل شركات عالميّة تهدف إلى تشويه العادات والتقاليد لدى الأجيال الشابّة ولا تهتمّ إلّا بالربح المادّي، هذه البرامج المستنسخة لا هدف لها إلّا تقليد حياة الغرب والإفساد وزعزعة المبادئ، وهي لا تخضع للمسؤوليّة الاجتماعيّة أو للانضباط القيمي أو القانون؛ لأنّها تسعى لنقل التجربة الغربيّة والأمريكيّة التي تسعى لفضح خصوصيّات الناس أمام أعين المشاهدين في بيوتهم بما يرضي نزعة حبّ الظهور وفي سبيل الشهرة والربح المادّي مقابل الخسارة المعنويّة والمواقف المهينة والمذلّة التي يوضع بها المشاركون في هذه البرامج الواقعيّة المستنسخة التي تعتبر وسيلة إقناع وتشكيل للرأي العام، ويركّز على خلق وضعيّات ومشكلات اصطناعيّة بين الأشخاص المشاركين ليكون لها أثر سلبي على المدى الطويل في تطوّر المجتمع والعائلة والعلاقات بين الشباب وحتّى الأطفال؛ لأنّه مرآة للمجتمع المستنسخ عنه ويشكّل حالة تفاعليّة حقيقيّة بين الجمهور والأشخاص المشاركين في البرنامج. ويزداد خطر هذه البرامج؛ لأنَّها تستغلّ الفراغ الذي يعاني منه الشباب لتشجيعه على الاختلاط والانفتاح الغربي وتقليد تصرّفات مستوردة من البرامج الأمريكيّة المستنسخة وفرض عادات غريبة عن المجتمع العربي والإسلامي، وتمرير العديد من الرسائل السياسيّة والقيميّة من خلال التسلية والمرح من حيث الجرأة والاستهانة والاستهزاء بالآخرين وكثرة استخدام الألفاظ النابية والتلميحات غير الأخلاقيّة.
كما بثّت هذه القنوات التلفزيونيّة منذ بدايتها العديد مِن المسلسلات المترجمة الخاصّة بالأطفال، التي تؤثّر على شخصيّة الطفل وتشوّه القيم الأخلاقيّة للأطفال بنسب متفاوتة، فمنها ما يشوّه قيمة الحفاظ على الممتلكات الخاصّة والعامّة ويشوّه احترام حقوق الإنسان واحترام الأنظمة، وبعض المشاهد في المسلسلات الكرتونيّة تعرض مشاهد العنف والسيطرة والعادات السيّئة حول تناول الغذاء غير الصحّي وعرض سلوكيّات تدلّ على الكسل، وبعض المشاهد التي احتوت على السرقة والطمع والغشّ والكذب وقلّة الاهتمام بالنظافة الشخصيّة، بالإضافة إلى إظهار الشخصيّات السيّئة على أنّها على صواب. إنَّ تركيز هذه القنوات على الأطفال والشباب في سنّ مبكّرة يؤكّد استهداف هذه المنظومات لمجتمعاتنا الإسلاميّة في ثقافتها وتاريخها ومستقبلها.
تهدف أمريكا في سياستها تجاه العالم الإسلامي إلى تعزيز وجودها الثقافي وتأمين دورها في التأثير على اتّجاهات الرأي العالم الإسلامي وتطويعها لتنفيذ أطماعها ومصالحها مِن خلال غرس قيم الثقافة الأمريكيّة في المجتمعات ونسف القيم الإسلاميّة والولاء والانتماء مِن خلال النفوذ السياسي والتسلّل الثقافي والاستخباراتي تحت غطاء ثقافي وأسلوب جذّاب ومشوّق قادر على الإقناع الخداعي. وسعت أمريكا لاستخدام أحدث التقنيات في جمع وتحليل البيانات وكتابة النصوص؛ حيث ازداد اهتمام السياسة الثقافية الأمريكيّة بالمنطقة العربيّة ضمن استراتيجيّتها للأمن القومي، ونتج عن ذلك مسارات عمليّة، منها التحريضي المتمثّل بالأبحاث والكتابات الأكاديميّة، حيث اتّجه الباحثون الأمريكيّون بشكل كبير إلى دراسة إشكاليّة التعامل مع الثقافة العربيّة وتفكيكها، وانقسم الجهد البحثي لحلّ إشكاليّات تشخيص خصائص هذه الثقافة وإشكاليّات التعامل معها، أمّا المسار الآخر ضمن استراتيجيّات الأمن القومي الأميركي، فكان ذا طابع تنفيذي يظهر في جهود الحكومة الأمريكيّة في إطار التكامل بين أدوات الدبلوماسيّة التقليديّة وأدوات الدبلوماسيّة العامّة (حروب الجيل الرابع).
اضافةتعليق