العولمة وأثرها على قيم المجتمع المصريّ
في البداية، لا بدّ من التطرُّق إلى تعريف العولمة. فالعولمة مصطلح له تعريفات عدّة، أقربها لموضوعنا أنّها «عمليّة التفاعل والتكامل بين الأشخاص والشركات والحكومات في جميع أنحاء العالم». ظهر مصطلح «العولمة» لأوّل مرّة في أوائل القرن العشرين (ليحلّ محلّ المصطلح الفرنسيّ السابق «Mondialisation»)، وتطوّر معناه إلى الدلالة الحاليّة في وقتٍ ما في النصف الثاني من القرن العشرين، وهي دلالة ذات ارتباط وثيق بالتقدُّم في تكنولوجيات النقل والاتّصالات في القرنَين الثامن عشر والتاسع عشر، وقد أدّت بدورها إلى الزيادة في التفاعلات العالميّة، ونموّ التجارة الدوليّة، وتبادل الأفكار والمعتقدات والثقافات[1]، إلى أن أصبحَت العولمة ظاهرة عالميّة يسعى صنّاعها إلى السيطرة على جوانب الحياة كلّها (السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة)؛ بهدف طمس هويّة الشعوب، عبر إدخال المجتمع، في ظلّ العولمة والانفتاح، في حالةٍ من صراع القيم والمعتقدات.
العولمة وأثرها على الأسرة «نواة المجتمع»
عبر العولمة، تحدث مجموعة من التغيّرات على السلوك البشريّ. وهذه التغيّرات لها تأثيرات جوهريّة على الأسرة بصفة خاصّة، وعلى المجتمع بصفة عامّة؛ لأنّ الأسرة هي النواة والوحدة الاجتماعيّة الإستراتيجيّة التي يجري فيها تقسيم العمل، واتّخاذ القرارات الجماعيّة بشأن الأفراد ومستقبلهم؛ ومثلُ هذه القرارات تُحدّدُ هويّات أفراد الأسرة وتفاعلهم مع المجتمع الأكبر[2]. ويمكن ملاحظة حدوث اختراق ثقافيّ، وطمس ملامح الهويّة المصريّة، وإقحام عادات مغايرة لِما هو سائد في المجتمع المصريّ، بدءًا من الأطفال، وذلك باستخدام وسائل التقدّم التكنولوجيّ كلّها، من هواتف ذكيّة وأجهزة لوحيّة، التي تتسبّب في حدوث اغتراب الطفل عن مجتمعه، وفقدان الانتماء لوطنه؛ بسبب الانفتاح غير المقنَّن، عبر الأجهزة الذكيّة، على العادات والثقافات المستحدَثة.
خطر العولمة على الفكر والمعتقد
وفي سياق استخدام التقدّم العلميّ والتكنولوجيّ في مشروع العولمة الثقافيّة، تحدّثَت دراسات عن رصد حالات انفصال الفرد عن مجتمعه، وتحقُّق حالة الاغتراب وفقدان الانتماء؛ ما يؤدّي إلى انحدار القيم الأصيلة، وسيادة القوانين والمذاهب الواردة من الغرب، التي منها -على سبيل المثال- المادّيّة والبراجماتيّة والعلمانيّة، التي تفصل قيم الدين عن المجتمع والدولة، وتمهّد الطريق لنشر المنظومة الثقافيّة الغربيّة، والتي يدعو معظمُها إلى الكفر والإلحاد والتشكيك؛ وهو ما يمهّد الأرضيّة لفقدان القيم والأخلاق، وانتشار الرذيلة والجرائم، بسبب فقدان الوازع الدينيّ والأخلاقيّ، والكفر بوجود رقيب على تصرّفات الفرد.
هذا وتسعى العولمة الراهنة إلى تحويل أنماط العلاقات الدوليّة، والهويّات الوطنيّة، والكيانات السياسيّة، إلى نُظُم وكيانات ضعيفة عاجزة عن استيعاب التحوّلات الحضارية؛ ومن ثمّ تُترَك المجتمعات -أيضًا- في حالة من الفوضى وفقدان البوصلة؛ أي الاضطراب والقلق والشكّ، وهو ما أصبح سمة مميّزة للحقبة الراهنة، خاصّة في تلك الأماكن من العالم التي لا تملك أيّ وسيلة لاختيار قرارها، فتصبح المجتمعات النامية -ومن بينها المجتمع المصريّ- أكثر المجتمعات عرضةً للآثار السلبيّة للعولمة[3].
وعلى الرغم ممّا ذُكِر -من خطر العولمة على المجتمعات، وسلبيّاتها: من فقدان القيم والثوابت والموروثات، وغيابها، وإحلال ثقافات دخيلة- فإنّ هذا لا يُلغي ما أحدثَته العولمة من تقدُّم وتطوُّر على المستويات كافّة، مِن تطوُّر حضاريّ وثقافيّ وعلميّ، وجعل العالم قرية واحدة، بعد أن كان في حالة من البدائيّة والانعزاليّة. فكما لها مساوئ وعيوب، لها أيضًا مميّزات وإيجابيّات. ولكي نتعامل مع هذه الأزمة، لا بدّ من إدراك مساوئ العولمة وسلبيّاتها، ومحاولة تجنُّبها، مع الاحتفاظ بالموروثات والمعتقدات الخاصّة بنا، وعدم استيراد ثقافات دخيلة من مجتمعات أجنبيّة؛ أي أن نأخذ منها ما يوافق ويتناسب مع مجتمعنا المصريّ، ونواكب التطوّر والتقدّم، ولا نتخلّف عن الركب.
الهوامش
[1] https://ar.wikipedia.org
[2] Sudhi Ranjan Dey: Globalization and its Real Benefits, 2007. P. 75.
[3] برهان غليون: العولمة وأثرها على المجتمعات العربيّة، قُدِّمَت إلى اجتماع خبراء اللجنة الاقتصاديّة والاجتماعيّة لغربي آسيا، بيروت، ديسمبر 2005، ص5.
اضافةتعليق