شهادةٌ توقظُ وجدانَ الأُمَّةِ

شارك الموضوع :

شهادةٌ توقظُ وجدانَ الأُمَّةِ

أمام هذه الحادثة الفارقة في تاريخ الأمة الإسلامية والعربية، دفعني الحسُّ المهني لتوثيق ارتدادات هذا الحَدث في الوجدان العربي والإسلامي ... عن شهادة السيد نصر الله، يقول الدكتور خلف المفتاح (مدير عام مُؤسَّسة القدس الدولية) كان السيد نصر الله أحدَ رموز مقاومة الإمبريالية العالمية لا المقاومة الإسلامية فحسب؛ لأنه قاد مشروعَ مقاومة في وجه أكبر قوة غاشمة في العصر الحديث، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى رأسها ومُقدِّمتها الكيان الصهيوني الاستعماري العنصري، شهادة السيد نصر الله أعادت إلى الأذهان حضورَ قِيَم الإيمان والعقيدة والصَّبر والشَّجاعة والصِّدق، وخلقَت حزنًا يُذكِّرنا بالحزن الذي شملَ الأمةَ بالكامل عند رحيل جمال عبد الناصر قبل ٥٤ عاماً من هذا التاريخ، هذا النوع من الحزن الجماعي الذي يَحلُّ بالأمة عندما تَفقد رمزاً من رموزها.

يُؤكِّد الدكتور المفتاح على أن مشروع المقاومة، الذي قاده الشهيدُ في وجه المشروع الأمريكي الصهيوني، سوف يُغيِّر خريطةَ المنطقة بالكامل، وسوف يَقطع الطَّريقَ على خطّة تحويل المنطقة من منطقة عربية وإسلامية إلى منطقة صهيونية عربية، ليس لها علاقة بتاريخ المنطقة وثقافتها، بدليل أنَّ هذا المُجرِمَ والسَّفاح نتنياهو تحدَّثَ قبل يومين عن أنَّه يجب تغيير الجغرافية السِّياسية في المنطقة بما يخدم المشروع الصهيوني، بعنوان الاتِّحاد الابراهيمي، أو ما كان يُعرف سابقًا بمشروع الشَّرق الأوسط الجديد.

يَرى الدكتور المفتاح أن المطلوب منّا جميعاً أن نُدرِكَ أنَّ استشهاد الأمين العام هو الحافز لكي نستمرَّ بالمسيرة، لكي نستمرَّ بالنضال، لكي نستمرَّ بتحقيق الأهداف، لأنَّ الهدفَ حمايةُ الأمّة، وليس فقط حماية لبنان وحماية غزة من هذا المشروع، وأنَّ الوفاءَ للأمين العام وللشُّهداء الذين قضَوا هو من خلال الاستمرار بالنَّهج، والاستمرار بالمقاومة، حتى هزيمةِ هذا المشروع، وفي مُقدِّمته الكيان الصهيوني.

أما مهند الحاج علي (عضو سابق في مجلس الشعب السوري) فأشار إلى أنَّ شخصية السيِّد حسن نصر الله تُعتبَر هامّةً وأساسيّةً على المستوى العالمي، وليس فقط على مستوى الأُمَّتَينِ العربية والإسلامية؛ لِما كان لسماحته -رحمه الله- من دورٍ أساسيٍّ في تشكيل المقاومة في حزب الله، منذ ثمانينيات القرن الماضي، والتَّعاون مع الجمهورية العربية السورية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، من أجل بناء هذه القوة، وتَحويلها إلى قوة فاعلة على مستوى الإقليم، يُحسَب لها ألفُ حساب، بالإضافة إلى مواقفه السِّياسية التي لا يُمكِنُ أن ننساها، وخاصة مواقفه تجاه القضية الفلسطينية، ومواقفه الأخيرة فيما يَخصُّ دعمَ القضية الفلسطينية، لتخفيف العِبء عن غزة، وفتح جبهة الإسناد، ورسم المعادلات مع العدو الصهيوني بعد انتصار ٢٠٠٦، ووضع حدٍّ لغَطرسته، حتى إنَّ العدوَّ الذي كان يَستبيح لبنانَ وبيروتَ كيفما شاء، في ثمانينيات القرن الماضي، أصبح بعد تشكيل هذه المقاومة وتقويتها يَحسِبُ ألفَ حساب لأي عملية خَرقٍ يقوم بها من الناحية البرِّيّة، كما ألغى الأفكارَ التَّوسُّعية باتِّجاه الشمال، كما كان لسماحة السيِّد وبَصيرتِه الثّاقبة دورٌ لا يُنسى في دعم الجيش العربي السوري في حربه ضدَّ الإرهابيِّين، كما كان لديه رؤيةٌ خاصّةٌ به بأنَّ العدوَّ لا يَستهدف سورية فقط بل يَستهدف المنطقةَ كلَّها، بالإضافة إلى ذلك قدَّمَ المساعدةَ الأساسية لليَمن والعراق للتصدِّي للمشاريع الإقليمية الخبيثة.

أمّا هيثم حسون (الخبير الاستراتيجي والعسكري) فأكَّد بأنَّ المقاومةَ نهجٌ باقٍ، فسَماحةُ السيِّد حسن نصر الله الاسمُ والمَعنى الذي غيَّرَ وجهَ المنطقة، وقاد حركةَ المقاومة والتحرُّر ليس في لبنان فقط، وإنَّما في كلِّ شِبرٍ دنَّسَه العدوُّ الصهيوني، ومنذ بَدءِ مسيرته ابتدأتْ مسيرةُ الانتصارات، وانتهَت أزمنةُ الهَزائم، فكان تَفاهُمُ نيسان عام ١٩٩٦، والتَّحرير عام ٢٠٠٠، والانتصار الإلهي عام ٢٠٠٦، والاشتراك في محاربة الإرهاب في سورية، وآخرُها خوض حرب الإسناد والدَّعم للشعب الفلسطيني، اعتبارًا من طوفان الأقصى، لذلك كان هذا الحقدُ، واتِّخاذ قرار الاغتيال لسماحة السيِّد الشَّهيد، ولذلك كان تنظيم العمل بينَ كلِّ أجهزة الاستخبارات الأمريكية والصهيونية والأوروبية، وتَجنيد قوّةٍ كثيرة لتنفيذ هذا الهدف، وتَجنيد آلاف الجواسيس والخبراء، ورصد مليارات الدولارات لتنفيذ هذه المُهمّة.

كانت ضربةً كبيرةً ومُؤلمةً، وخسارةً عظيمةً للمقاومة ومحور المقاومة، ولكنَّها لم تكنْ ضربةً قاتلةً، خاصّةً أنَّ حزب الله الذي أسَّسَهُ سَماحةُ السَّيد وبَناهُ ونَظَّمَه، كجَيشٍ مكتملِ النِّظامِ، وقاده إلى انتصارات مُتعدِّدة، هو في أتمِّ القُوّةِ والاستعداد، حيث استطاع منذ السّاعات الأولى تقديم البدائل من الصَّفِّ الثاني والثالث، واستعادة زمام المبادرة.

ويَذهب حسّون إلى أنَّ سماحة السيِّد نصر الله شكَّلَ حزباً قويًّا لا يُمكِنُ إنكارُ إنجازاته، خلال الأعوام الثلاثين الماضية، ومسيرةُ هذا الحزب تدلُّ على أنَّ من سيَخلف السَّيدَ سيكون من ذات المدرسة، وسيَكون على ذات المسار الذي سيُؤدِّي إلى جعل الكيان الصهيوني يَبكي دمًا، لأنَّه اتَّخذ القرارَ بتنفيذ هذه الجريمة.

اضافةتعليق


ذات صلة

الخميس 21 تشرين الثاني 2024
مركز براثا للدراسات والبحوث هو مركز بحثي مستقل غير ربحي، مركزه في بيروت.
جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز براثا للدراسات والبحوث