أين الأمم المتحدة من مشاريع المجرمين؟

شارك الموضوع :

أين الأمم المتحدة من مشاريع المجرمين؟


 

        عندما كتب مستشار الأمن القومي "زبيجينيو بريجنسكي" عام 1980 بأن على الحكومة الأميركية إشعال المزيد من الحروب من أجل إعادة رسم خريطة استعمارية للشرق الأوسط بصورة جديدة مغايرة لاتفاقية سايكس بيكو الاستعمارية القديمة، وقتها لم تتتحرك الأمم المتحدة ومنظماتها الحقوقية والإنسانية من أجل مَنْعِ الحروب المخطَّط لها أميركيا، ولم تقم بدورها الواجب عليها القيام به...

نعم لطالما زار الشرقَ الأوسطَ الموفَدون الأمميُّون القادمون من أميركا - مصدِّرة الحروب للعالم -، بعد إشعال نيران الفتن والصراعات التي حصدت ولا تزال تحصد أرواح الملايين في الشرق الأوسط وفي غيره من بلدان العالم العربي والإسلامي... ولطالما حمل هؤلاء الموفَدون مشاريع القتل والهدم والخراب وفرض الإرادة الأميركية على العالم العربي الذي بات مسرحا للعنف الهوليودي الحي الذي تُنفَّذ سيناريوهاته الإجرامية على الأرض العربية بلا رقيب أمميٍّ ولا حسيب قانونيٍّ ولا محكمة جنائيَّةٍ...

وتتنقل الحروب من بلد إلى بلد ومن مدينة إلى مدينة ومن ساحة إلى أخرى... والذي يدعو للعجب أن كل الأمناء العامين للأمم المتحدة لم يأتوا يوما على هذه الحقيقة التي كتب عنها شياطينُ الولايات المتحدة الأميركية وحُرَّاسُ أمنِها القوميِّ وصُنَّاعُ المؤامرات والحروب بلا خجل ولا حياء، ثمَّ قدَّموا أنفسَهم بطريقة مذهلة على أنهم أصحاب الحلول الخارقة...

وكانت الحلول التي لا يتصورها عقل ولا عاقل...! حيث يقوم المجرم الأميركي بتغذية الصراعات وبإمداد المجرمين الذين يُعِدُّهم ويُصَنِّعهم في مراكزه الخاصة، ويُغذِّيهم بدولاراته التي تحكم العالم... ثم يفرض على الدولِ حلولَه بعد أن نشر كلابه في الأرض مُفْسِدَةً مُخَرِّبَةً... وحلولُ الأميركي في هذه الحالة معروفةٌ غيرُ خافيةٍ على أحد... حلولُه تعني المزيد من الدمار والقتل وسفك الدماء والمجازر والإذعان للمخططات وقوانين الانحراف التي يفرضها على الدول...

لقد صنعت الإدارة الأميركية حروبا في كل زاوية من زوايا العالم وخصوصا في الشرق الأوسط تحقيقا لرغبات "ريجنسكي"، فكانت حروب لبنان وسوريا والعراق وليبيا والسودان... ولا تزال هذه الإدارة تصدِّر الجرائم والعنف والسلاح... ثم تدعو المتصارعين إلى الجلوس على طاولات مفاوضاتها بحرية وديمقراطية!! لِتُحْكِمَ قبضتَها عليهم وتَتَمَكَّنَ من رقابهم وأنفاسهم...!!  

لست الآن بصدد الحديث عن ملفات الولايات المتحدة المجرمة التي شوهت الحقائق وزورت التاريخ وضحكت على الشعوب حتى خَدِرَت، ثمَّ استفاقت هذه الشعوب نفسُها اليوم وقد اكتشفت استحكام الذئب الصهيوني الأميركي باقتصاديات البلدان وسياساتها... وها هي تثور كلَّ ساعة ضِدَّ الدعم الإجرامي للعدو الصهيوني والظلم الذي تمارسه حكوماتها على شعوب الشرق الأوسط ولا سيما فلسطين ولبنان... وها هي تستنكر وتعتصم وتصرخ وتُنَدِّدُ ضِدَّ أبشعِ الممارسات الوحشية في تاريخ البشرية... لكن، لا من مجيب ولا من سامع يستمع لها وفاقا لشعارات الحرية وقوانين حقوق الإنسان التي تربَّت على عناوينها البراقة الكاذبة، والتي طالما أُتْخِمت بها...

واليوم، وقد دخلنا في العام الثاني من الهولوكست التي يمارسها العدو الإسرائيلي الصهيوني وداعموه في غزة ولبنان حيث نعيش حالة من الإجرام المستمر والإبادة الجماعية اليومية... نجد موفدين ليس عن الأمم المتحدة، وإنما عن الولايات المتحدة الأميركية الداعم الأول للعدو الصهيوني؛ وذلك لاجتراح حلول توقف المجازر القائمة يوميا على أعين العالم كل العالم بسلاح أميركي غربي!! ومن دون أن يجرؤ أحد على محاكمة العصابة الصهيونية التي احتلت وطنا وقتلت شعبا وأبادت أُسَرًا ثم زعمت أنها تحمي مدنيِّيها من أصحاب الأرض العُزَّلِ الذين اغتصبت أرضهم وسفحت دمهم... ثم ها هي تعمد إلى الأوطان المجاورة لتُذيقها الكأس الذي ذاقته فلسطين ولا تزال فلسطين تتجرعه صباح مساء...

هنا لا بد من طرح سؤال بسيط يفتح العقول ويوجهنا إلى الحقيقة:

لماذا وقفَتْ دول العالم بالاجتماع تحت راية واحدة تقاتل في العراق ضد النظام البائد الذي كان طفلا مطيعا لها، بحجة خطورته، إذ زعمت – كاذبة - بأنه صَنَعَ السلاح النووي الذي قد يشكل خطرا على الدول المجاورة... ثم لما قضت عليه وفَكَّكَتْ نظامه مارست أبشع الأعمال والعمليات الإجرامية ضد الشعب العراقي المسالم... لكن هذه الدول نفسها لا تحرك ساكنا أمام الإجرام الحقيقي والخطر المرعِب المشاهَد يوميا بالصوت والصورة حيث الدماء التي تتناثر في غزة ولبنان، والأجساد التي تتحول إلى قطع تتطاير هنا وهناك؟!

الجواب الوحيد الذي لا يمكن أن يخالف العقل ولا المنطق هو أن هذه الدول متآمرة ومتواطئة وشريكة للإرهاب الصهيوني، وهذا ما يفسر اشتراك العديد من الدول الغربية في عمليات التطهير والقتل الجماعي في فلسطين المحتلة، وعدم الاكتفاء بالمشاركة بالجريمة، بل الذهاب إلى تزوير سافر للحقائق حيث تعمد وسائل الإعلام العالمية المملوكة بالمباشر وغير المباشر للصهيونية إلى اتهام المدافعين عن أوطانهم وأرضهم وحقوقهم السليبة بالاعتداء على المحتلين، وكذا اتهام كل قوة تواجه العدو المحتل بالإرهاب... والأدهى والأمر من ذلك كله هو فتحها الطرق أمام النَّهَمِ الصهيوني للإجرام وتَعَطُّشِهِ للدماء، والعمل على أن تؤمن له باستمرار كلَّ الوسائل الممكنة للتطهير العرقي وطرد شعب كامل من أرضه...

هي السرعة في الإدانة بالإرهاب لأصحاب الحق وأصحاب الأرض والمقتولين والمذبوحين والمدمَّرين... ودعوتهم إلى ضبط النفس حتى وهم في قبورهم... يقابلها سرعة غير مسبوقة في مساندة المجرمين بكل الوسائل والأدوات والسلاح المحرَّم دوليا... وتباطؤ بل عمى في الرؤية الغربية والأممية وعند المنظمات الحقوقية الباردة أمام تكالب عجيب وانحياز داعم للعدوان غريب...

وتقوم قيامة دول العالم الغربي ولا تهدأ عندما يثور قلة قليلة من الثائرين المناضلين الرافضين للذل وللهوان فيقاومون وحشا محتلًّا لأرضهم، ويمنعونه من تحقيق أطماعه... لكن دول العالم الحرِّ هذا لا يعترف بثورة على فظائع يندى لها جبين البشرية... وسوف يحدث عنها التاريخ أحاديث تُذهل الأجيال... 

فإلى الذين يكذبون على الناس باسم الوطن والوطنية ويحمِّلون المجاهدين الأبطال مسؤولية ما يحدث من جرائم يومية على يد الكيان النازي، ثم يوجِّهون الشعب توجيها طائفيا رخيصا خدمة للأعداء...

وإلى المطالبين بتطبيق قرارات الأمم المتحدة الأميركية المتفردة بالقرارات المجرمة الغربية، وإلى المتعصبين لها مع أنها لم تُلزم عدونا - ربيبها وطفلها اللقيط – يوما بتطبيق قراراتها في تاريخ الصراع مع هذا العدو...

وإلى السفهاء والعملاء والخونة والمتاجرين بالوطن والوطنية:

لماذا لم ترتفع أصواتكم عندما كان العدو الإسرائيلي يستبيح أرضكم وسماءكم طوال سنوات لم تشعروا فيها بالذل والهوان...؟!

بل لماذا حلَّت النخوة والحمية والوطنية عليكم ثم تفجرت في حناياكم ساعة واجه الأبطالُ العدوَّ الصهيوني فوقفتُمْ ضدهم لا ضده، وحاربتموهم ولم تحاربوه، ثم سددتم إليهم سهامكم وليس إليه...؟!

ألا تعلمون أن العدو يطمع بأوطاننا ويستمتع بجرائمه وقتله للأطفال والنساء والشيوخ وتهديم المساجد والكنائس والمستشفيات، وأنه يتبع اليوم أحلامه ويسعى إلى التوسع على حساب أوطاننا ليبني على أنقاضها دولة صهيون الكبرى؟!

ألا تعلمون أن العدو المجرم لم يحترم كل قوانين العالم والمنظمات الدولية التي كانت من صناعته، فها هو يعتدي على قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وقوات اليونيفل التي أُرسلت لحمايةِ حدوده، فلم تحرك ساكنا ولم تجرؤ على توجيه رصاصة إليه ... أفبعد هذه الممارسات الإجرامية تطلبون من المقاومين التوقف عن المواجهة والاستسلام للعدو وتطبيق قرارات الأمم المتحدة وأنتم تعلمون يقينا أنها لم ولن تكون غير حامية للعدو الذي تريدون التخذيل عنه بتصرفاتكم المفضوحة...؟!

ثم ألا تعلمون أن الأمم المتحدة التي تختبئون خلفها لم تصنع للمظلومين شيئا لا في فلسطين ولا في لبنان ولا في أي بلد آخر سيكون تحت قصف وتهديد العدو الإرهابي؟

أيها الأمميون؛ إن الحق والسلام والعدالة والحقوق لا تُستجدى من الظالمين، ولا يقدِّمها المجرمون على أطباق من ذهب، ولا يَتنازل عنها الإرهابيون الذين بنوا الأوطان على أنقاض الملايين من أهلها الممزَّقين، ولا يصل إليها من باعوا الأوطان للعدو، وخذَّلوا عنه في الأوقات الصعيبة التي شعر فيها بأزمات كبيرة وإخفاقات عجيبة حيث كانت ميادين القتال وساحات الوغى على أرض غزة العزة وجنوب لبنان وبقاعه الأبي مقبرة له ولجيشه الذي ادَّعى بأنه لا يقهر... وكم لَقَّنَ المجاهدون هذا العدو الغاشم دروسا لن ينساها، فلم يستطع إلا الهروب من الشبَّان الأبطال المؤمنين المناضلين في الميدان إذ عجز عن مقاومتهم وجها لوجه رغم دعم ومشاركة معظم دول العالم الغربي وتواطؤ بل مساندة معظم العالم العربي...

ثم سرعان ما لجأ إلى الانتقام من الأبرياء والأطفال والمدنيين، ولم يَجِدْ إلَّا وَسِيلةً واحدة من الممكن أن تخفف عنه فداحة الخسارة المذلة رغم سطوة آلات القتل والدمار وسلاح الجو الخطير، بل الأكثر تقدما وخطرا... من هنا وجدناه يتصرف بجنون غير مسبوق إذ يمسح قرية بأكملها فلا يبقي حجرا على حجر مستعينا بالتكنولوجيا المتقدمة والأقمار الصناعية والمخْبِرين والعملاء والخونة...

ولم يكتف العدو بهذه الحرب النفسية، فعمد إلى محطات إعلامه المأجور يشوه صورة المجاهدين الذين وقفوا بسلاحهم البسيط متصدين للقوى الغاشمة التي يقودها جيش جرَّار تعاونه وترعاه دول كبرى، ويساعده على ذلك من الداخل فئةٌ من مُدَّعي الوطنية الرافضين للتصدي في الميدان، منكرين كل أطماع العدو الصهيوني ومستنكرين الدفاع عن الوطن – وليس الحرب عليه - بحجة الدعم الإيراني للمجاهدين...

وبدل أن يبحث هؤلاء الوطنيون عن داعم - ما زلنا نبحث عنه منذ عقود وعقود - يدعم وطنهم الذي يدَّعون الانتماء إليه، كان استنكارهم غير المستغرب، إذ هو شأن أربابهم ممن باعوا فلسطين وقضيتها وشعبها في قمم مشؤومة، وتركوها للمجازر اليومية وعلى مدار الساعة بعد أن طبَّعوا مع العدو الصهيوني الذي طالما دعموا مجازره سرا وعلانية... 

أيها الوطنيون من ساسة ورجال دين وحقوقيين تزعمون أن المعركة هي معركة غيركم على أرض الوطن؛ أليس عجيبا ألا ترون عدوان هذا الوحش المجرم منذ أكثر من سبعين عاما على أبناء الوطن الذي تدَّعون محبته وطلب السلام له من عدوكم الذي ما فتئ يقتل ويهدم؟! أم أنكم اختصرتم الوطن بالأرض التي تقفون عليها والتي تظنون أنَّ وعودكم ستترككم على ظهرها متى كنتم عبيدا لمخططاته؟!

أليس عجيبا انتقادكم المجاهدين الذين يبذلون أرواحهم دفاعا عن الأرض وأنتم تعظون الناس باسم الوطن وباسم الرب مختصرين هذه الحرب الشعواء بين فئة من أبناء الوطن وبين "إسرائيل"؛ وليس العدو الإسرائيلي المجرم...؛ بحسب اللغة الرائعة التي تروجون بها لهذا العدو سواء عليكم أَعَلِمْتُمْ حقيقة صنائعكم أم جهلتموها؟!

أيها الأحرار الرخيصون، والمؤمنون الممثِّلون...! لن نطلب منكم أن تقلعوا عن سخافاتكم وكذبكم وسفاهاتكم وخيانة الخائنين منكم... ولكن سنقول استحيوا من دماء الطفولة والأبرياء التي تراق كل يوم... واعلموا أنكم لن تستطيعوا شراء ذمم الشرفاء وأهل النخوة وأصحاب المبادئ والقيم السامية...

الأمميون كلهم يعرفون أن قرارات الأمم المتحدة لا تساوي حِبْرًا على ورق... وبدل أن يطالبوا الأمم الأمم المتحدة بإعلان الحرب على العدو وفرض العقوبات عليه، ومحاكمته علانية، وإعادة الحقوق السليبة إلى أهلها... إذا بهم يوجِّهون انتقادهم الخبيث إلى المضحِّين دفاعا عن الوطن الذي بات أغنية تافهة بالنسبة للخونة والعملاء الذين اتخذوا من العدو الصهيوني وليا فقيها يلبون مطالبه بلا تفكير، بل بخضوع ورغبة ورجاء، إذ يرمون الأبطال الشجعان والمقاومين الأحرار بالانتماء إلى ولي فقيه إيراني فارسي مسلم يحمل همَّ القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى الذي تخلت عنه أمم الأرض! ويا لها من تهمة لو عرفوا أبعادها؟؟!!

لن يعجب العقلاء الذين يعرفون تاريخ المجرمين والعملاء متى وجدوا الأعداء في الداخل والخارج يتكالبون على الوطن وقضايا الأمة باسم الوطنية والتحررية أو باسم الدين والرب...!!

تحية للشرفاء الصامدين على الحدود والمنافحين عن المقدسات والباذلين أرواحهم وفلذات أكبادهم في سبيل الحق والعدالة ودحر المعتدين...

واللعنة على المجرمين والمتخاذلين والمتواطئين والداعمين سرا وعلانية للعدو النازي الذي ستسحقه المقاومة المحقة تحت أرجل المجاهدين الشرفاء الذين أثبتوا أن إيمانهم أقوى من كل آلات التدمير الصهيونية والأميركية والغربية المتصهينة المجتمعة عليهم في البر والبحر والجو...



اضافةتعليق


ذات صلة

الأربعاء 30 تشرين الاول 2024
مركز براثا للدراسات والبحوث هو مركز بحثي مستقل غير ربحي، مركزه في بيروت.
جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز براثا للدراسات والبحوث