أصلُ النازيَّةِ وحقيقتُها
لئن سلَّمنا جَدَلًا وصدَّقْنا بما تناقله الإعلام العالمي الكاذب حول جرائم النازية بحق اليهود في الغرب، ولئن آمنا بأن المحرقة كانت حقيقة لا خيالا، وأن أمة اليهود في الغرب - وليس في الشرق - قد تعرضت لعمليات إبادة جماعية، فإنني أسأل سؤالا يتلجلج في صدر المراقب المنصف حيرة وغرابة مفاده:
ما الذي جمع يهود الغرب المهاجرين من روسيا وأوروبا - حيث اضطُهدوا وعُذِّبوا وقُتِّلوا بحسب الرواية اليهودية... - ضد العرب الذين لم يرتكبوا المجازر بحق اليهود ولم يسحقوهم ولم يحرقوهم..."!
ثم ما الذي جمع هؤلاء اليهود الصهاينة مع الأوروبيين تحت راية واحدة ليهجموا بوحشية ونازية غير مسبوقة على الشعبين الفلسطيني واللبناني بحيث يصنعون هولوكوست القرن الحادي والعشرين في غزة والضفة وجنوب لبنان وبقاعه وضاحيته وعاصمته وكل مدنه... بآلات وآليات وسلاح مدمر محظور دوليا، وبنار لا تهدأ ومحارق لا تتوقف وحمم بالأطنان تقذف بها طائرات إسرائيلية أميركية وغربيه تمسح المباني والشوارع والمناطق والقرى بما فيها من مساجد ومدارس ومستشفيات ومراكز طبية... بأبشع عمل إرهابي تقوده أعظم الدول إرهابا، وخصوصا تلك التي تدَّعي محاربة الإرهاب وترفع شعار الإنسانية والحقوق وتتباكى على الحيوان في حين لا تتورع عن سحق البشر أفرادا وجماعاتٍ بل شعوبًا وأممًا... وعلى رأس هذه الدول الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا والغرب بمعظم حكوماته لا شعوبه...!!
إذا كان منشأ معاداة السامية هو الغرب الذي ارتكب الفظائع بأمة اليهود – بحسب الرواية الصهيونية - فإن هذه الحركة الصهيونية المجرمة التي تدَّعي الدفاع عن اليهود في العالم لم تنتقم ممن ادعت بأنهم ارتكبوا بحقها الجرائم، وإنما انتقمت من غيرهم... ما يجعل العقلاء يشككون بهذه الرواية تشكيكا كبيرا، بل يرفضونها من أساسها رفضا كليًّا، إذ لا يمكن أن يصدِّق عاقل بأن إنسانا اتحد مع قاتل آبائه وأبنائه وعشيرته إلا أن يكون قد اتحد معه وتشارك معه قَبْلًا في تمثيل مسرحية دامية إرهابية ذهب ضحيَّتَها أبرياءُ في سبيلِ أهداف بعيدة المدى كالتي نراها اليوم... ما يؤكد أن هذه الحركة اللعينة المجرمة التي قامت على دماء الأبرياء قد ضحت بفئة من اليهود في سبيل تحقيق أهدافها ومطامعها الاستعمارية الإرهابية اللامتناهية...
والتضحية بفئة من اليهود بل من الصهاينة؛ هذا الأمر نفسه نشهده ويشهده العالم كله اليوم في الصراع الدائر في غزة ولبنان، حيث زج العدو الصهيوني بجيشه في ساحات الموت ليحقق نصرا على المقاومة التي تقف سدا منيعا في وجه أطماعه الاستعمارية والاستبدادية والإرهابية...
وإذا كانت هذه العداوة قد بلغت منتهاها مع المحرقة (الهولوكوست) المزعومة بحق أناس دخلوا بالديانة اليهودية التي يعود نسب أصحابها الأصليين - وليس المجرمين المستوطنين في أرض فلسطين - لـ "سام بن نوح"، فلماذا لا يندرج تحت عنوان معاداة السامية تلك المجازر التي يرتكبها الصهاينة بحق العرب الذين يعود نسبهم إلى "سام بن نوح"؟
وإذا كان العرب واليهود يجتمعون بالنسب إلى "سام بن نوح" فلماذا يحاسِب العالَمُ الغربيُّ المتحضِّر كلَّ من يشير بأصبع إلى الجرائم اليومية بحجة معاداة السامية لكنه لا يرى ولا يسمع استباحة الصهاينة - اللابسين لبوس اليهود - كلَّ الحرمات والدماء، حيث يفعلون الفعائل ويطهِّرون المدن والقرى تطهيرا عرقيا ثم لا يحاسبُهم أحد من كل الذين يرون القشة قنبلة نووية في أعين غير الصهاينة؟؟!!
بأي عدالة نرى قوانين معاداة السامية تُجَرِّمُ كلَّ من يُوَصِّف الأعمال الإجرامية النازية الهولوكوستية الفريدة من نوعها في القرن الحادي والعشرين، والتي يقوم بها الكيان الصهيوني مدعوما بقوى حكومات العالم الغربي؛ وفي الوقت نفسه يثور هذا العالم الغربي ضد الإنسان والإنسانية المحتلة المقتولة المهجَّرة من أرضها، المعذَّبة في فلسطين، بل داعما ومشاركا في كل الأعمال الإرهابية النازية... ثم يسمِّي هذا الغربُ الأحرارَ المقاومين من الفلسطينيين واللبنانيين الذين يدافعون عن أنفسهم وأرضهم بأنهم جماعات إرهابية...!! وأنهم يمارسون أعمالا عدائية...!! وأنهم يشكلون خطرا على المحتل...!! وأن للمحتل الحق في قتل الشعوب التي احتل أرضها والشعوب المجاورة لها متى تملكت قوة تستطيع من خلالها الدفاع عن نفسها...!!
أي عدالة وأي معايير تعتمد هذه الحكومات الغربية المجرمة الإرهابية؟؟! وأي معايير تلك التي تعتمدها منظمة الأمم المتحدة...؟؟!!
لكن الملفت هو أن هذا الغرب نفسه؛ على أرضه تمت صناعة "الهولوكوست" المحرقة الألمانية النازية المزعومة التي يدعيها الصهاينة...!! كما أنّ هذا الغرب نفسه هو الذي يدعم اليوم الهولوكوست الصهيوني بحق العرب والمسلمين، لا بل إن هذه المحرقة التي بدأت منذ احتلال بريطانيا لفلسطين على يد عصابات الهاجانا الصهيونية لم تتوقف إلى هذه اللحظة على مرأى العالم الغربي الذي لا يزال يضحك ويكذب على شعوبه مدعيا دعمه للكيان الصهيوني ومحارقه بغية دفاعه عن نفسه من الجماعات الإرهابية...!!!
ومن تكون هذه الجماعات الإرهابية؟!
إنها جماعات تمتلك الأرض وتعاني الاحتلال والقتل والتهجير على يد الصهاينة...!!
إنهم أهل البلاد الذين تعتدي عليهم إسرائيل لقيطة بريطانيا وأميركا والغرب...!!!
إنهم أناس من الدرجة العاشرة الذين لا قيمة لأعدادهم ولا لوجودهم بالنسبة للغرب؛ لذا فإن قتلهم وإبادتهم لا يحرك ضميرَ حكوماتِ هذا الغربِ الميِّت...!!!
إن هؤلاء المستضعفين المظلومين في نظر الغرب وفي شريعتهم إرهابيون لأنهم يُقتلون على أيدي الصهاينة...!!!
وبما أن لمجرمي صهيون أن يقتلوا من يشاؤون ومتى يشاؤون فإن الغرب سيسارع إلى بذل كل قدراته العسكرية والأمنية والتكنولوجية لمساعدة هذه الحفنة المجرمة...!! ثم دعوة المقتولين إلى إيقاف الأعمال العدائية...!!
بهذه اللغة اللعينة واختيار المفردات التي تجعل القاتل والمقتول والظالم والمظلوم وصاحب الأرض والمحتل في خانة واحدة يسخرون من وعي الناس ويستخفون عقولهم ويشوهون الحقائق...
فمتى كان المجرم المحتل القاتل الإرهابي مظلوما؟!
ومتى كان أهل الأرض المعتدَى عليهم والمشرَّدون المطرودون المهجَّرون من ديارهم... إرهابيين...؟؟!!
لقد انكشف الغرب وتعرَّى، وأدركت الشعوب الغربية أن حكوماتها كذبت ولا تزال تكذب وتنافق عليهم وتستغبيهم وتأكل أموالهم لتقدمها سلاحا يقتل إخوانهم في الإنسانية...
نعم، لقد استفاقت شعوب الغرب من غيبوبة طويلة وأدركت أنَّ كل شعارات الديمقراطية والحرية والحقوق والعدالة والمساواة... ما هي إلا عناوين فارغة من مضامينها، وأن الساسة الغربيين الذين استسلموا للحركة الصهيونية العالمية وباعوا أنفسهم لها وخانوا أمانة شعوبهم، وجعلوا أوطانهم رهينة الصهيونية المجرمة... هؤلاء الساسة بانحرافهم وخبثهم وخداعهم استطاعوا أن يتلاعبوا بأفكار وثقافة ومشاعر الأجيال المتعاقبة طوال عقود من الزمن، حيث نجحوا بتخديرها بأوهام الحرية ليبيعوها شعارات التفوق والتقدم الذي سخروه في ميادين التسلح والقتل وسفك الدماء الذي دعموا به المشروع الصهيوني بعد عمليات سرقة منظمة من جيوب الشعوب وعرقها وتعبها...
لذا، وجدنا الشعوب الغربية اليوم تعبِّر بإنسانية عن سخطها وغضبها من حكوماتها الداعمة للتدمير والتهجير وللمجرمين القاتلين للأطفال والنساء والشيوخ على أرض غزة الجريحة ولبنان الصامد...
كما اكتشفت أبناء الشعوب الغربية تحديدا بعد الذي رأوه عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي من مجازر يومية أن إسرائيل دولة محتلَّة مغتصِبة للأرض معادية للإنسانية ولقوانين حقوق الإنسان وقوانين المؤسسات الدولية التي أخذوا دروسا عن وظائفها الإنسانية ودفاعها عن المظلومين في المدارس والجامعات، بل طالما تغنوا بها وفاخروا بها الشرق الذي تأكَّد لهم أنه كان مضطهَدا بتلك الشعارات الكاذبة... فلم يهدأ لهم بال وهم يشهدون فظائع يندى لها جبين البشرية والمؤسسات الدولية والحقوقية التي ظهر لكل الناس أنها وُجدت لحماية الكيان المجرم بحجة معاداة السامية وليس لحماية الإنسان والإنسانية...
من أجل ذلك شهدنا الإنسان الغربي ثائرا على دوله وحكوماته وأنظمته الداعمة للجرائم وللإرهاب المنظم والمقنن والموضوع – كَذِبًا - في خانة الدفاع عن النفس والوجود... فكانت الاعتصامات والتظاهرات في كل عاصمة من عواصم الغرب وفي كل مدينة من مدنه وفي كل مكان فيه تَجَمُّعٌ سُكَّاني أَبَى إباءً مطلقا سلوك دولته وسلوك الأمم المتحدة وسلوك منظمات حقوق الإنسان التي شرعت للعدو النازي والصانع للفاشية والنازية والمحارق والإرهاب العالمي مُهَلًا طويلة تمكِّنه من إتمام جرائمه ومجازره التي بدأ بها، مستنكِرَةً في العَلَنِ بعض الممارسات، وداعمة في الواقع والحقيقة بكل وسائل الدعم، بل مشاركة في كل الأعمال الإرهابية التي لا نظير لها في التاريخ المعاصر.
اضافةتعليق